كرونو

صورة أرشيفية لجماهير الوداد البيضاوي
صورة أرشيفية لجماهير الوداد البيضاوي

تاريخ الكرة المغربية (1): الوداد والاستقلال

بقلم | محمود علي

 

يُقدم لكم موقع "البطولة" فقرة جديدة من عدة حلقات بعنوان "تاريخ الكرة المغربية"،سيتم خلالها سرد أهم وأبرز اللقطات التي مرت على الكرة المغربية على مدار التاريخ، على أمل أن تحظى بإعجابكم..

 

                               الوداد والاستقلال

عاشت الكرة المغربية ظروفاً صعبة للغاية منذ بداية نشأتها، نتيجة للاحتلال الإسباني والفرنسي الذي تخلصت منه البلاد عام 1956، ظروف ربما لم تعشها كل دول الجوار، التي ورغم تعرضها كذلك للاستعمار الأجنبي، إلا أنها كانت تمارس كرة القدم بشكل أفضل وبحرية أكبر.

 

قبل ذلك التاريخ كانت تقام بطولة سنوية تحت إشراف الجامعة الفرنسية لكرة القدم، انطلقت أولى نسخها عام 1916، لكن المغاربة أسقطوا الأعوام الـ40 الفاصلة بين تلك البطولة وبين أول بطولة وطنية جرت أحداثها بعد الاستقلال عام 1956 من ذاكرتهم، لرفضهم الاعتراف ببطولة أقيمت برعاية فرنسية.

 

فالنسخ السابقة لذلك التاريخ والتي كانت تُجرى تحت اسم عصبة المغرب لكرة القدم، لم يكن يشارك بها كل الفرق المغربية، وكانت المشاركة مقتصرة على الفرق الخاضعة للمناطق الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي، بينما كانت تشارك الفرق التي كانت تخضع مناطقها للسيطرة الإسبانية في البطولة الإسبانية، حيث كانت تعتبرها إسبانيا جزءاً من ترابها.

 

وفي النسخة الأولى من البطولة الوطنية "المستقلة" التي جرت موسم 1956-1957، نجح فريق الوداد البيضاوي في الفوز بها، ليكون أول فريق مغربي يفوز بأول بطولة محلية بعد الاستقلال.

 

 قد يظن البعض أن قيمة فوز الوداد بتلك البطولة تعود فقط لكونها جاءت بعد الاستقلال، إلا أنها كانت في الحقيقة بمثابة مكافأة للوداديين، لأنهم كانوا جزءاً من هذا الاستقلال.

 

الوداد تاريخياً هو ناد مغربي مائة بالمائة لم "يتفرنس" أبداً بل كان بالترجمة الحرفية للكلمة الإنجليزية "ANTI" فريق طارد أو مضاد للفرنسيين، الذين حاولوا مراراً تعطيل إنشائه برفضهم أكثر من مرة منحه التراخيص اللازمة لذلك، حتى تمكن الرئيس التاريخي للنادي ومؤسسه "الحاج محمد بنجلون" بعلاقاته ببعض الشخصيات الفرنسية المرموقة من ترخيص النادي رسمياً عام 1937.

 

كان يمكن للوداديين أن يطأطأوا رؤوسهم للفرنسيين، شاكرين إياهم على منحهم التراخيص اللازمة للاعتراف بناديهم، والتفرغ بعد ذلك لتطوير ناديهم، دون الاهتمام بأحوال الوطن، لكنهم أبوا أن يكونوا من المطأطأين وأصروا على أن يلعبوا دوراً هاماً في استقلال وحرية بلادهم.

 

ومن ينسى الحارس الودادي، محمد رفقي، الذي ألغى احترافه في فرنسا بمجرد أن تلقى أوامر من المقاومة الوطنية بالعودة باعتبار أنه كان أحد أفرادها ليعود إلى المغرب، ملقياً وراء ظهره كل أحلامه الدنيوية والكروية، أو بطولات بنجلون الذي قاد تظاهرات واعتصامات عديدة منذ صغره شكلت ضغطاً كبيراً على المحتلين في مواقف عدة، وهي من بين الأمور التي جعلت السلطات المحتلة توقف النادي رسمياً عام 1944 لما سببه من إزعاج كبير لهم، بعد أن أصبح بمثابة مركز للثائرين للمطالبة باستقلال المغرب.

 

لكن حتى الإيقاف لم يمنع الوداديون من مواصلة مشاركتهم في تحرير المغرب، ودفعوا أمام هذا الكثير من دماء أبنائهم، على غرار ما تعرض له مسيرو النادي وكذلك ثنائي فريق كرة القدم عبد النبي المسطاطي والعفاري في أحداث عام 1952 للضرب بالرصاص الحي، أثناء زيارة إحدى بعثات أميركا اللاتينية إلى المغرب لتقصي الحقائق، بعد نفي الملك محمد الخامس.

 

خمس سنوات فقط مرت على تلك الواقعة، وما كان أنصار وداد الأمة يدرون أنهم على موعد مع الفرج الذي جاءهم عام 1957، عام التحرير، التحرير الذي كانوا جزءاً لا يتجزأ منه، ولايمكن لأي شخص معفي من أمراض الحقد والنفاق إنكاره، وهو ما جعل القدر الإلهي يكافئهم بلقب أول بطولة وطنية مستقلة في بلادهم، التي سعوا دوماً أن تكون حرة.

عرض المحتوى حسب: