قيل الكثير عن أزمة نادي الجيش الملكي الذي ضلّ الطريق نحو منصات التتويج لأكثر من عشر سنوات، في كل موسم تُجترّ نفس الخطابات سواء من مسؤوليه الذين لا يفتحون أفواههم سوى لتقديم الوعود أو تبرير الإخفاقات أو المناصرين الذين يحاولون تشريح الخلل. "العساكر" فقدوا هويتهم، أرادوا تقليد "مشية الحمامة"، فلا هم أجادوها ولا هم حافظوا على مشيتهم.
في عُنفوان الحِقب الذهبية التي عاشها الفريق، كان يبرع في إيجاد التوازن والتوليفة بين تصعيد لاعبي الفئات الشابة وجلب أسماء يسبقها صيتها وتفلح في ترجمة سمعتها المُشرقة على أرضية الملعب. كل ذلك كان يُثمر تركيبة مُشبعة بـ"حمضٍ" من صميم ما يتميّز به الفريق في المشهد الوطني، بل حتى اللاعبين القادمين سرعان ما يجدون أنفسهم منصهرين في بوتقة النادي ومنسجمين مع مبادئه.
على امتداد السنوات الفارطة التي تجرَّعت فيها الكتيبة العسكرية مراراتٍ وخيباتٍ لا تُعد ولا تُحصى، بدا مسؤولو النادي تائهين بين خياراتٍ عِدّة، تتقاذفهم وصفاتٌ لا يمنحونها الوقت الكافي للوقوف على مفعولها ونتائجها. فهذا الموسم "تُبلور" استراتيجية لضم النجوم والأسماء الرّنّانة، وفي موسم آخر يُعقد العزم على إنضاج اللاعبين الشباب، لكن ما إن تلوح بوادر "الفشل"، حتى يتم التخلي عنها وتغيير السياسة نحو أخرى أكثر اضطراباً وارتباكاً.
ظنِّي أن الأعطاب التي تَسِم نمط اشتغال إدارة الجيش الملكي مردُّها التفعيل والتنزيل، فالعِلّة ليست في رسم الاستراتيجيات ووضع البرامج وإنما في الأجرأة والترجمة. إذا كان المشروع قائماً على تقوية عود الشباب، فالصَّواب أن تُخلق البيئة اللازمة لذلك، ويتم توفير المناخ الملائم لذلك، وفق منظومة متينة وخطوات مدروسة والأهم من ذلك تطبيق صحيح ودقيق لأركانها وأساسياتها.
أما إذا كان المسعى ينحو صوب استقطاب النجوم أو اللاعبين ذوي الخبرة، فالمُطالَبُ تعزيز صفوف الفريق بأسماء لها فعلاً التجربة وقادرة بالملموس على تقديم الإضافة ومُفعمة بروح المنافسة على الألقاب واعتلاء منصات التتويج، وليس ترقيع المجموعة بلاعبين تفوق قيمتهم المالية الإمكانيات التي يملكونها، والمجهودات التي يُمكن أن يقدمونها على المستطيل الأخضر.
عند أول مُنعطف، تُخلع عن إدارة الجيش من طرف مسؤوليه السياسات التي هم بصدد الاستناد إليها، ويجري تبنّي استراتيجية أخرى لا يُفسح لها كذلك الوقت الكافي ولا التنزيل السليم، وهكذا دواليك، ليظل النادي غارقاً في العشوائية، وتائها وسط البحث عن الدواء والعلاج، بينما هذا الأخير منزوٍ بالقرب منه، دون أن يلتفت إليه ويُبصره.
الخاسر الأكبر في المُعادلة هي جماهير النادي التي صارت التعثرات إحدى سننها الأسبوعية والسنوية، رغم ما تصدح به من استنكار وما تبذله من نضالٍ لتغيير أوضاع الفريق، في وقتٍ يصمُّ فيه القائمون على النادي أذانهم ويُديرون ظهورهم للمساءلة والنقد الذاتي والوقوف بحزمٍ إزاء يُكابده النادي.
لقد صبر أنصار الفريق وتجلّدوا طيلة العِقد الماضي، وصمد عشقهم لـ"القلعة العسكرية" أمام الهزَّات والتقلبات التي ضربت صورة ناديهم. صيغت أثناء ذلك بيانات التنديد ورسائل الشجّب لما يُصيب "التريكولور"، لكن ذلك لم يكن كافياً لكي يُحدث رجّة في نمط تدبير النادي وقيادته.
قبل بداية الموسم الكروي الجاري، كشف إداريو النادي عن اعتزامهم نهج سياسة مبنية على العناية بالفئات الشابة وإتاحة الفرصة لها داخل الفريق الأول، غير أن الواقع كان ينطق بما هو مغاير، حيث جرى انتداب 17 لاعباً من أندية عانت الأمريْن في الموسم السالف، بمعدّل سنٍّ يتوسط العشرينات، مُقابل الزُّهد في الاعتماد على أبناء "المدرسة" الشبان، مع وجود استثناء قليلة كرضا سليم وخالد أيت أورخان.
وسط موسم كروي استثنائي، تغيب المؤشرات الباعثة على التفاؤل بشأن مستقبل النادي العسكري، وتنتفي بوادر يُمكن أن تُطمئن عشاقه. الفريق الذي يحتل المركز السابع بـ33 نقطة جناها من 22 مقابلة يحتاج بالفعل إلى وقفة عميقة، تُرتَّب فيها الأولويات ويُصبُّ فيها التركيز على استراتيجية واحدة تستلزم الشجاعة للتصريح بها وتبنيها أمام الرأي العام.