مهما راج عن شخصية عبد الرزاق حمد الله، ومهما "نُسب" إليه من غرور وعجرفة وتضخم للأنا، يمضي المغربي غير آبِهٍ ولا ملتفتٍ إلى كل ما خلّفته محطات معينة من مسيرته الكروية من صخبٍ وضجة وضوضاء داخل الرأي العام الوطني.
إبن مدينة أسفي لم يترك للجدل الدائر على الدوام بشأنه كي يمتد إلى هوايته في تحريك الشباك، فأخذ يراكم الأهداف ويرفع من غلّته في كل مباراة تقريباً، مُجسِّدا النموذج الحقيقي للمهاجم الذي يجعل من حاسته التهديفية يقِظةً على أرضية الملعب، ويقتنص الفرص على النحو الأمثل، مؤديا وظيفته الأساسية للفريق الذي يحمل قميصه.
ما طبع المشوار الرياضي لحمد الله ساهم بشكل أو بآخر في اشتداد عوده وتقوية مناعته النفسية، ورغم كل الهزات والارتدادات التي مست علاقته ببعض مكونات المنتخب الوطني المغربي، إلا أنه ظل مخلصاً لتكريس السمات والصفات التي يتميز بها داخل رقعة الميدان، وها هو في طريقه إلى الحفاظ على لقب هداف "الدوري السعودي" بإحرازه 28 هدفا قبل جولة واحدة من النهاية، مبتعدا عن مطاره الفرنسي بافيثيمبي غوميز بثلاثة أهداف.
دعونا نتفق أولا على أن التوتر الذي خيم على صلة اللاعب ببعض فعاليات المنتخب المغربي قبل "كأس أمم أفريقيا" يتحمل فيه مهاجم النصر قسطا من المسؤولية، وإن كان لا يُقارن بما تؤاخذ عليه المنظومة الكروية من القائمين عليها كنمط في التدبير والإدارة.
سنفترض جدلاً أن حمد الله حيكت ضده المكائد ودُبّرت له المضايقات من طرف أفراد لا يخدمهم تألقه وبروزه داخل المنتخب الوطني، سنُسلِّم بأن حسابات شخصية مع لاعبين آخرين لفظته من "قلعة الأسود" وقذفت به خارجها، لكن حتى لو انطلقنا من هذا الأساس، فالعِتاب لن يُرفع عن رد فعل النجم المغربي إزاء ما عاشه حينذاك وكيف تعاطى معه.
الظرف والسياق الذي كان يجتازه ممثلو الكرة الوطنية قبل "الكان" لم يكن يسمح بالتصعيد والدخول في معركة "تكسير العظام"، والتفاعل مع محاولات "الاستفزاز" إذا افترضنا ذلك، لقد كانت حساسية المرحلة تقتضي نكراناً للذات ووضع الخلافات جانباً. هنا أخطأ حمد الله وأساء التقدير في رأيي، في حين يمكن أن يخالفني العديدون النظر، ويتبنوا رأيا معارضا حول النازلة معتبرين أن اللاعب تصرف كما يلزم، فالمواقف في الواقع تختلف وتتضارب حينما يتعلق الأمر بقضية شغلت الكثيرين في وقت من الأوقات ولازالت تداعياتها تتعاقب وتتواتر.
في الجانب الآخر، تبدو الكرة المغربية الخاسر الأكبر في عملية الشد والجذب التي أحاطت بملف حمد الله والمنتخب الوطني، "أسود" ذهبوا إلى مصر مبتورين من مهاجم يجيد ترجمة الفرص إلى أهداف، وعادوا مطأطئي الرأس وهم يجرون أذيال الخيبة بعد خروج "مهين" أمام منتخب بنيني لازال يكتشف نفسه في الخارطة الكروية للقارة السمراء.
في المنتخبات الوطنية التي تستورد لاعبين جاهزين كحالة المنتخب المغربي، تناط بالاتحاد الكروي المحلي ومسؤوليه مهمة عقد التوافقات وإحداث التوازنات بين الأفراد، فهم بمثابة "إطفائيين" يخمدون نيران الخلافات، دون الاصطفاف إلى طرف على حساب آخر بلا معالجة موضوعية وتمحيص دقيق لما حدث.
إن لاعباً بحجم إمكانيات حمد الله والإضافة القادر على تقديمها للمجموعة يستوجب احتواؤه وإدراجه في المنظومة مهما زاغت صفاته عن النص، وتوفير المناخ المشجع على انسجامه وتناغمه مع مكوناتها. لقد جانبت جامعة الكرة الصواب وتناولت الوقائع من الزاوية الخطأ في اعتقادي، بل أثبتت مدى هشاشة نظامها الكروي، ما دام غير قائمٍ على الاستفادة مما يزخر به من طاقات بشرية بمنطق رابح-رابح.
ما أوردناه بشأن مسؤولية الجامعة لا يعني ولا يبيح الاستحواذ على الاختصاصات التي قد تدخل ضمن مهام الإدارة الفنية، لكنه يفرض لعب دور الخيط الناظم وصياغة الإطار الذي ينبغي على باقي المكونات التحرك داخله، والتدخل بمقتضى القوة القاهرة والاستثنائية التي يمكن أن تحل بالمجموعة.
إذا كان نمط إدارة الشأن الكروي مشوباً ببعض الاختلال، فمن الطبيعي أن ينعكس على التفاصيل الصغيرة كما الأحداث والملفات الكبرى لكافة مناحي اللعبة وطنياً. "الاحتراف" هو كل لا يتجزأ، لا يقبل أنصاف الحلول ولا سياسة الترقيع، فإما أن يؤخذ كاملاً، أو يُترك بجميع أركانه ومبادئه.
تحتفظ الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في هذه الحالة بالقسط الأوفر من المسؤولية فيما آل إليه الوضع قبل "كأس أمم أفريقيا"، إذ تُساءل بكل موضوعية، وهو ما يملي عليها وقفةً تراجع فيها جزءا من سياستها وتدبيرها للشأن المرتبط باللعبة.