كرونو

الطاقم الفني للمنتخب الوطني في مباراة البرازيل
الطاقم الفني للمنتخب الوطني في مباراة البرازيل

"الأسود" زأرت في ليتوانيا.. الدكيك قوة هادئة ولا وجود لرئيس ومرؤوس في منتخب الفوتسال

انْدفعت مشاعر الفخر والاعتزاز من نفوس المغاربة بعد بلوغ ربع نهائي داخل القاعة ومجُاراته البرازيل إلى آخر رمق في دور الثمانية، وليس للمرء في الواقع إلا أن يغمره السرور بهذا الإنجاز الكامل الأركان لـ"أسود الفوتسال"، الذين أيقظوا من جديد أحاسيس البهجة لدى الكثيرين وحلّقوا بهم بعيداً في رحلةٍ مونديالية ستظل موشومة في ذاكرة الرياضة الوطنية وكذلك سَجِلّ اللعبة عالمياً.


المؤدّى الذي قدَّمه سفراء المغرب التأمت فيه كافة صفات وتوابل النجاح، لقد ظهروا كمجموعة متراصّة ومتماسكة تلتف حول أهدافٍ ومرامي مُوحّدة، حيث كُلّ فردٍ يُضحّي من موقعه، وينصهر في بوتقة واحدة قائمة على نُكران الذات والبذل في سبيل المجموعة، وهو ما رسم لنا منتخباً وقّع على العلامة الكاملة في مشاركته، ونَسَف كل التوقعات وخلخل جميع الفوارق مع كبار القوم في "الفوتسال" ضمن نسخة ليتوانيا.


لكن كلّ قصة نجاح يقف خلف مُهندسون يبسطون الاستراتيجيات ويقفون على كافة التفاصيل والجزئيات، وهنا لا مناص من الحديث عن الإطار الوطني، هشام الدكيك، الذي ظلّ يمضي بالمنتخب الوطني خطوةً بخطوة منذ أكثر من عشر سنوات، ويتسلّق معه المراتب ويطوي المسافات إلى أن عانق رفاق اللاعب سفيان بوريط هذا المجد الرمزي والرياضي وأثبتوا قيمتهم في منظومة اللعبة عالمياً.


الدكيك الذي ظلت خرجاته الإعلامية على امتداد اعتلائه العارضة الفنية لـ"أسود الأطلس" محدودة ومُنحصرة، يُسند مهمة التعبير عن نفسه ومُمكناته القيادية والفنية إلى مردود مجموعته على أرضية الملعب؛ هو خجول بطبعه ومُتحفّظ في الكلام، لكن صدى مجهوداته ينوب عنه في الهدير وإدمانه الاجتهاد والاشتغال الصادق يعكس كمَّ الخصِال الشخصية وكذلك الرياضية التي يتمتّعُ بها الرجل.


قبل أقل من دقيقتيْن على انقضاء مباراة ربع النهائي أمام المنتخب البرازيلي، جذبتني المنهجية التواصلية السائدة داخل كتيبة "الأسود"؛ الدكيك يُقدّم تعليماته للاعبين، لكن دون أن يُغلق الباب أمامهم للتفاعل، وأسماء مثل بلال البقالي تنخرط مع ناخبها الوطني في نقاشٍ بنّاء لمحاولة الاهتداء إلى المقاربة الفنية المُثلى لتدبير ما تبقى من زمن المقابلة.


يبقى هذا المشهد من مُكونات وأسرار النجاح الذي حصده المنتخب المغربي؛ الكلٌّ يُفكّر ويقترح ويبتكر، لا وجود لرئيس ولا مرؤوس، وإنما هناك ميثاقٌ ونظام مُصاغ بصورة تشاركية بين كل الأفراد، وهنا يتبدّى دهاء الإطار الوطني الدكيك، هو قوة هادئة ينسج ويُحرّك خيوط "أسود الأطلس" بسلاسة وانسيابية ومرونة يُشْرع معها اللاعبون قلوبهم للتجاوب مع مدربهم.


ما أنجزته النخبة الوطنية على مدار السنوات العشر الأخيرة جدير بالتنويه والثّناء؛ التتويج بلقبيْن متتالييْن لمسابقة كأس أمم أفريقيا والتأهل إلى ثلاث نسخ مونديالية على التوالي، ضمنها بلوغ ربع النهائي، ليست مهمة هيِّنة ويسيرة، بل هي مكافأة لمجهودات مُضنية وجبّارة وتخطيط مُحكم أبدعه الدكيك بالتنسيق مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.


والآن وقد شيَّد "الفوتسال" المغربي كل هذه اللّبنات وحاز مكتسبات ليست في متناول الجميع، تقف هذه الرياضة في المغرب أمام مُنعطف ينبغي استثماره على أكمل وجه؛ هي فرصة لكي يستمر النهوض بهذه اللعبة وحَمْلِها على الإقلاع بوتيرة أعلى، عبر الاعتناء بالأندية الوطنية وتقوية الدوريات المحلية، حتى يتطابق المنتوج المحلي مع ما يبصم عليه المنتخب الوطني من نتائج مُبهرة.


أدى المنتخب المغربي مهمته وودّع مونديال ليتوانيا برؤوس مرفوعة، مُخلِّفا صورة بهية وناصعة، وكان رجال الدكيك سفراءً بنوا لنفسهم ولبلدهم سمُعةً راسخة في المحفل العالمي. الكُرة حالياً في معترك الجامعة الملكية للدفع بهذا المسار نحو الاستمرار وتمكين صُنّاع هذا الإنجاز بصلاحيات أكبر ومساحاتٍ أوسع بهدف مواصلة هذا النسق التصاعدي الذي تبدو ثماره واضحة وجلية للعيان.

عرض المحتوى حسب: